الخميس، 27 نوفمبر 2008

الجوانب المالية والاقتصادية في النظام الفيدرالي (3)


الجوانب المالية والاقتصادية في النظام الفيدرالي (3)

القاضي قاسم حسن العبودي
Monday, 12 May 2008
وصلنا في القسم السابق من هذا البحث الذي يتناول الجوانب المالية والاقتصادية للنظام الفيدرالي الى مناقشة مكونات الموازنة الفيدرالية العامة من خلال الآتي
الايرادات العامة والنفقات العامة ، ونتناول هنا المكوّن الثالث وهو نظام التكافؤ..

جـ - نظام التكافؤ equalization system :
يؤدي تبني النظام الفيدرالي في معظم الأحيان إلى إيجاد نوع من عدم التوازن بين الإيرادات والنفقات سواءً على المستوى العمودي(بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية) أم على المستوى الأفقي (بين حكومات الأقاليم المختلفة).

ويرجع سبب ذلك في الأساس كما ذكرنا الى تبني دستور ينص على سيطرة الحكومات المحلية على معظم الإيرادات المتحققة فيها كما تتحمل هذه الحكومات معظم النفقات الخاصة بها، ولذلك ينشأ عن هذا النوع من النظم الحكومية ما يطلق عليه بالفجوة المادية العمودية والفجوة المادية الأفقية، وهذه المشكلة كانت ومازالت تؤرق السياسيين والاقتصاديين في هذه البلدان ووجدوا ان الحل الأمثل يتحقق من خلال ما أصبح يطلق عليه نظام التكافؤ أو التعديل الذي يمكن تعريفه بأنه النظام الذي يستخدم لتحقيق التوزيع العادل للإيرادات والنفقات بين الحكومات المركزية والإقليمية من جهة وبين حكومات الأقاليم من جهة أخرى ويستند هذا النظام اصلاً الى ما يسمى بالتحويلات المالية الحكومية، فالتحويلات المالية من الحكومات الفيدرالية إلى الحكومات المحلية أصبحت تعتبر أمرا شائعاً في الدول الفيدرالية تستخدم لإغراض عديدة فقد تكون عبارة عن استجابة فعالة لعدم تناسق الإيرادات والنفقات، والاهم قد تكون أداة فعالة تستخدم لتحقيق الأهداف السياسية المختلفة على المستوى الفيدرالي وإحدى استخداماتها هي لتحقيق المساواة في القدرة المادية للمناطق المختلفة لتجنب هجرة الأفراد والشركات ورؤوس الأموال بين المناطق ولتحقيق العدالة الأفقية والعمودية في النظام ككله كما تستخدم لتحقيق المعايير القومية للبرامج الاجتماعية على المستويات كافة ولتحقيق التكافؤ في النظام الاقتصادي الفيدرالي ككل([1]).

وهنا لابد أن نشير إلى نقطة في غاية الأهمية وهي انه بالرغم من نص معظم دساتير البلدان الفيدرالية على امتلاك الأقاليم لإيراداتها الخاصة ومسؤوليتها عن نفقاتها التي تؤمن الخدمات للسكان في تلك الأقاليم بصورة مناسبة ألا أننا نجد أن واقع الأمر مختلف إلى درجة كبيرة جداً على الأرض فهناك التزام بما يعرف (بتحقيق معايير حياة متساوية) لكل السكان في الدولة الفيدرالية أينما كانوا في أي إقليم وبذلك نشأ نوع من النظم التي تقوم على التنازل عن حقوق بعض الولايات الأكثر ثروة بإيراداتها وتحويلها إلى الحكومة المركزية أو إلى حكومات الأقاليم الأقل ثروة بصورة مباشرة لتغطية العجز في النفقات ويتم ذلك عبر آليات مختلفة في الدول الفيدرالية مثل مجلس وزراء المالية الألماني، وهنا نجد أن الحكومات الإقليمية والمحلية تتخلى عن صلاحياتها لصالح الحكومة الفيدرالية في سبيل تحقيق الأهداف الاقتصادية على المستوى القومي، وليس على المستوى الإقليمي أو المحلي فقط وعلى الرغم من أن الدولة تبقى فيدرالية من الناحية الدستورية إلا إنها تكون اقرب إلى الدولة البسيطة أو المركزية من الناحية الإدارية والمالية .

وبذلك تكون مرحلة الدول الفيدرالية خطوة باتجاه الوصول إلى الدولة البسيطة والمركزية ولكنها قائمة على العدالة الاقتصادية والاجتماعية التامة فلا يمكن القبول بوجود مناطق تحظى بمستويات مرتفعة من الدخل والخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية في حين تعاني مناطق أخرى من الفقر والتخلف والإهمال داخل الدولة الفيدرالية نفسها على الأقل من ناحية السياسة الحكومية وسعي الحكومة الفيدرالية إلى إيجاد حالة من التوازن بين الأقاليم المختلفة.

وهذا ما لاحظناه في معظم التجارب الفيدرالية التي تمكنا من دراستها خلال فترة زمنية صغيرة وبإمكانات محدودة على أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسة والتحليل والبحث في المستقبل.

وبالعودة إلى هذه التجارب نجد أن ألمانيا كانت تعاني من هذه المشكلة ولكن بحدودها الدنيا، ولكن توحيد الألمانيتين في تسعينات القرن الماضي أدى إلى اقتطاع جزء كبير من عوائد الولايات الأخرى لتوجيهها نحو الولايات الألمانية الشرقية ومع ذلك فأن حجم التحويلات بين الحكومات يبقى صغيراً نسبياً ويرجع ذلك إلى أن نسبة عالية من مصاريف اللاندر يتم تغطيتها من خلال العوائد المشتركة بين الحكومات([2]) وكما ذكرنا سابقاً.

ويستند نظام التكافؤ في ألمانيا إلى أساس دستوري ينص على العمل على تحقيق معايير حياة متماثلة لجميع السكان الألمان. وهذا المبدأ يعلو على النصوص الأخرى التي نصت على أحقية كل ولاية بإيراداتها وتحملها لنفقاتها.

أما في الولايات المتحدة الأمريكية فأن حجم هذه التحويلات يكون كبيراً وهي تمثل نسبة اكبر من نفقات كل ولاية إلا انه في كثير من الأحيان تكون هذه التحويلات مشروطة من ناحية تحديد مجال الإنفاق أو حجمه أو أية شروط اقتصادية أخرى مما يستدعي من الولايات العمل على تحديد أسبقياتها الاقتصادية بدقة وحذر وفي حقيقة الأمر لا يوجد نظام حقيقي للتكافؤ الاقتصادي في أميركا وذلك نجد أن هناك تبايناً في الوضع الاقتصادي بين ولاية وأخرى إلا أن الأمر يعالج من خلال الأجهزة الفيدرالية الأمريكية كما يعالج من خلال سيطرة الحكومة المركزية على نسبة كبيرة من مصادر الدخل الضريبي خاصة ولذلك فهي تتحمل نفقات اكبر على المستوى الفيدرالي أي أن حكومات الولايات الأميركية أن تتحمل نسبة عالية من النفقات ولذلك لن تكون بحاجة كبيرة إلى التحويلات من الحكومة الفيدرالية كما ان الولايات تدفع ضرائب اكبر مقارنة بالولايات الأفقر.

أما في كندا فأن درجة اللامركزية اكبر مقارنة بألمانيا والولايات المتحدة ولذلك تم تبني نظامين لتحويل الأموال بين المستويات الحكومية المختلفة الأولى يدعى اختصاراً بـ CHST.وهو مختصر لـ( The Canadian Health and Social Transfer) أو التحويلات الصحية والاجتماعية الكندية التي تسعى إلى تحقيق مستوى متماثل من هذه الخدمات لجميع الكنديين إذ يتم تعويض المحافظات الكندية ذات الطاقة الايرادية الأدنى وفقاً لمستوى معياري محدد على المستوى القومي الكندي .

أما النظام الثاني فهو نظام التكافؤ العام الذي يستثني عوائد النفط والغاز الموزعة بصورة غير متساوية([3]) على المحافظات كما مر سابقاً أثناء مناقشتنا لموضوع الثروات .

وضمن هذا الإطار تبلغ نسبة التحويلات المالية الفيدرالية بحدود 18% من إيرادات المحافظات الكندية([4])، كما أن الحكومات المحلية الكندية تحظى بتحويلات من الحكومة الفيدرالية تصل نسبتها إلى 1,3% من مجموع إيراداتها كما تتلقى ايضاً تحويلات من حكومة المحافظة بنسبة تصل الى14,6% من مجموع إيراداتها مقارنة باستراليا التي تتلقى حكومات الولايات فيها ما نسبته 44% من إيراداتها على شكل تحويلات فيدرالية في حين تتلقى الحكومات المحلية الاسترالية ما نسبته 7,4% من إيراداتها من التحويلات الفيدرالية و4,6% فقط من التحويلات المالية من حكومات الولايات.

أي أن التحويلات تمر بثلاثة مستويات من الحكومة الفيدرالية إلى حكومة الولاية أو المحافظة ومن حكومة الولاية أو المحافظة إلى الحكومة المحلية وكذلك من الحكومة الفيدرالية إلى الحكومة المحلية ايضاً وتوضح الأشكال (3، 4، 5) هذه التحويلات.

كما تتبنى سويسرا نظاماً معقداً للتكافؤ يتضمن استلام الحكومة الكونفدرالية لجزء من إيرادات الكانتونات وإعادة توزيعها على الكانتونات الأخرى وتختلف نسبة تحويلات الحكومة الفيدرالية إلى حكومات الكانتونات حسب نوع النفقات إذ تتراوح ما بين 5% إلى 42% بحسب نوع النفقة كما يتم استخدام النظام الضريبي بصور فعالة جداً لتحقيق التكافؤ بين الكانتونات إذ يتم فرض نسبة اعلى من الضريبة على الكانتونات ذات الدخول الأعلى كما تحصل الكانتونات الصغيرة على حصة اكبر من الضرائب ولاتقوم بتحويل إلا جزء اصغر من هذه الضرائب الى الحكومة الكونفدرالية([5]). وهكذا نجد أن نظام التكافؤ في البلدان الفيدرالية يقوم على الآتي :
.1 محاولة تقليل عدم التماثل في إيرادات ونفقات الحكومات على المستويات المختلفة وبالتالي القضاء على الفجوة المادية العمودية والفجوة المادية الأفقية.
.2 محاولة الوصول إلى تحقيق معايير حياة متماثلة لكل السكان في أي مكان في الدول الفيدرالية .
.3 يقوم على تحويل
الأموال من الحكومة الفيدرالية إلى كل من الحكومة الإقليمية والحكومات المحلية كما يتم تحويل الأموال من الحكومات الإقليمية إلى الحكومات المحلية وبنسب وطرق مختلفة تعتمد على وضع كل دولة.

.4 إن الإقليم الأغنى يقوم بتحمل جزء إكبر من الأموال التي يتم تحويلها أما بصورة مباشرة إلى الحكومة الفيدرالية أو حكومات الأقاليم الأخرى أو بصورة غير مباشرة إلى حكومات الأقاليم عبر الحكومة الفيدرالية، وعن طريق آليات مختلفة أما التحويل المباشر أو باستخدام النظام الضريبي متعدد الشرائح.

.5 أن هذا النظام يؤدي إلى تقليل الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين المناطق مما يساعد في معالجة العديد من المشاكل التي قد تنشأ نتيجة لوجود التمايز الاقتصادي والاجتماعي بينها، وهو في الحقيقة يؤدي إلى تخلي الولايات والأقاليم عن بعض حقوقها الدستورية من اجل تحقيق مبادئ تعد أسمى وأعلى أهمية وتصب في تحقيق الأهداف القومية وبالتالي تقليــل أو القضاء على النزاعات الانفصالية والتحرك نحو المركز بدلاً من التحرك بعيداً نحو الأطراف إلا أن ذلك لا يمنع من تمتع الولايات بكافة حقوقها السياسية وحريات مواطنيها وفقاً للدستور فهو اقرب إلى ما يمكن أن نطلق عليه الحكومة الديمقراطية الاشتراكية التي تستطيع أن تجمع بين مزايا مبادئ الحرية والديمقراطية السياسية الليبرالية ومزايا الاشتراكية الحقيقية التي تعني توزيع الثروة بشكل عادل بين المواطنين وليس توزيع الفقر عليهم كما حدث فعلاً في دول الاتحاد السوفيتي السابق وأوربا الشرقية.

مصادر القسم الثالث
[1] Peter,S.&Jon,R. (The Taxes Impact in Financial Development), Journal of Finance oct. 1997.
[2]. www.fdk_cdf. ch. (Ibid)
[3] Eckhhard Wurzel, (toward More Efficient Government : Reforming Federal Fiscal Relations in Germany), organization , Economic Department, Feb.1999.
[4]. John , Tomenthol, (how can Fixed the Fiscal gap in federal economy), The IMF working paper, July 2002.
[5]. Inter governmental Fiscal Relations , chines system in perspective , virek.B.& Arone& Join N. IMF W.P. 124 oct.1997.

ليست هناك تعليقات: