الخميس، 27 نوفمبر 2008

النظام السياسي وأثره في أعاده صياغة النموذج الفدرالي

النظام السياسي وأثره في أعاده صياغة النموذج الفدرالي

القاضي قاسم حسن العبودي
النموذج الفدرالي للدولة أكثر إنتاجا للنظم السياسية من النموذج البسيط، ويمكن أن ندرك اثر النظام السياسي بما يفرزه من تنافس على السلطة والصلاحيات عندما نقرأ ما كتبه (رتشارد سايمون) عن النظام الفدرالي الكندي ( إذا قرأت الدستور الكندي الصادر عام 1867 والقوانين الملحقة به لن تعرف ألا جزئياً من الممسك بزمام الأمور وما طبيعة المسؤوليات الموزعة , مع أن المادتين (91-92) من الدستور ُتعرفان بتوزيع السلطات والمسؤوليات ألا أنهما لا تمنحان ألا صورة جزئية عن توازن القوى الحقيقي ) وتساهم عملية التعاون والتنافس بين الحكومات المحلية والسلطة الاتحادية في صنع القرار السياسي في النظام الفدرالي. وقد يؤدي ذلك إلى إنتاج مجموعة من القواعد الدستورية من دون الحاجة إلى تعديل الوثيقة الدستورية وكما يقول رتشارد سايمون نفسه (وهكذا تستبدل حتى الميادين المحكمة الشروط بالتداخل والتشارك والاتكال المتبادل)[*].
ويمكن اعتبار فكرة إنشاء المجلس السياسي للأمن الوطني في العراق خطوة في هذا الاتجاه وعلى الرغم من أننا لا نستطيع الحكم على هذه التجربة في هذا الوقت المبكر ولكن إشارة النظام الداخلي للمجلس إلى حقه في إحالة مشاريع القوانين التي يتخذها المجلس إلى مجلس النواب للتصويت عليها احد صور هذا التنافس بعد أن ذكرت المادة (60) من دستور النافذ حصراً الجهات التي تقترح على مجلس النواب مشاريع القوانين والحديث عن النظام السياسي لا بد أن يقودنا إلى التطرق للتجربة الحزبية وأثرها في النظام الفدرالي فقد لعبت الممارسة الحزبية في النموذجين الأمريكي والسويسري دوراً كبيراً في إشاعة الاطمئنان الشعبي في المشاركة المتساوية في صنع القرار السياسي إذ لا تتبنى في الأحزاب كلا النموذجين أيدلوجيات عقائدية وإنما تعتمد برامجها على الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وقضايا الصحة والبيئة مما ساعد على استقطاب مختلف الشرائح المكونة لشعب الاتحاد وساهم ذلك بالتخفيف من الحساسية الدينية والقومية والرغبة في الانعزال والحكم الذاتي إلى مزيد من المشاركة والتفاعل , فالحزبان الكبيران في الولايات المتحدة الأمريكية (الجمهوري والديمقراطي) يضمان مختلف الشرائح في المجتمع الأمريكي ونجحا في استقطاب المصالح الاقتصادية الكبيرة وهما يتداولان الهيمنة على الرئاسة والكونغرس الأمريكي وكذلك الحال بالنسبة للأحزاب الأربعة المتنافسة على السلطة في سويسرا إلا أن النظام الانتخابي في سويسرا الذي يعتمد التمثيل النسبي سمح لهذه الأحزاب الأربعة بالتواجد في الهيئة التشريعية السويسرية وتشكيل الحكومة. وبمناسبة الحديث عن قوانين الانتخابات فهي إضافة للقوانين المنظمة للممارسة الحزبية ساهمت وبشكل كبير في نجاح التجربة الحزبية في النموذجين المذكورين.
ويكشف النظام الانتخابي المتبع في البرازيل
أهمية ذلك النظام في تعزيز الرابطة الوحدوية للدولة الفدرالية والحفاظ على نوع من التوازن في التمثيل داخل الهيئة التشريعية إذ تقسم البرازيل إلى عدد من الدوائر يماثل عدد الولايات حيث تعد كل ولاية دائرة واحدة لانتخاب أعضاء مجلس النواب و البالغ عددهم 513 عضواً ويتم توزيع المقاعد حسب عدد السكان في كل ولاية على إن لا يقل ذلك العدد عن ثمانية ولا يزيد عن 70 وأدى ذلك التحديد في عدد المقاعد بين الحدين الأدنى والأعلى إلى خسارة ساو باولو وهي الولاية الأكبر في البرازيل 40 مقعداً.
هذه الإجراءات تعكس قلق المشرعين البرازيليين من هيمنة ساو باولو وهي الولاية الأغنى والأكثر سكاناً على الشؤون السياسية والاقتصادية وهو ما كان سائداً في الحقبة المعروفة بالجمهورية الأولى.
ولم تساعد القوانين المنظمة للممارسة الحزبية والقوانين الانتخابية التي شرعت للعملية السياسية بعد سقوط النظام إلى مثل هذا النوع من المشاركة والاختلاط أو الجذب , وإنما أدت إلى مزيد من الاستقطاب الطائفي والقومي فاعتماد الدائرة الواحدة والقائمة المغلقة الذي فرضه الأمر رقم 96 لسنة 2004 وحتى القانون رقم 16 لسنة 2005 الذي شرعته الجمعية الوطنية واستجاب لضغوط المرجعية الدينية في تبني نظام الدوائر المتعددة لضمان تمثيل عادل لأبناء المحافظات, لم تتح تلك القوانين للناخب حرية الاختيار بل صوت لعناوين عريضة قومية أو طائفية كما أن الأحزاب والكتل السياسية المتنافسة حولت الدوائر المتعددة إلى دائرة واحدة عن طريق طرح قوائم مرشحين بعضهم لا يمتون لتلك الدوائر بصلة.
على إن لا يخفى مبررات اعتماد التمثيل النسبي والقائمة المغلقة والدائرة الواحدة وسهولته بالنسبة للتجربة العراقية الوليدة وللناخب العراقي كما انه يضمن تمثيلاً عادلاً لمختلف مكونات المجتمع العراقي.

النظام السياسي في العراق
تبنى دستور العراق الدائم لعام (2005) نظام الحكم النيابي كما ورد في المادة (1) جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق ).
وكانت فكرة تبني النظام النيابي لشكل الحكم في العراق مشفوعة بالعديد من الحجج التي من بينها قدرة النظام النيابي على استيعاب جميع مكونات الشعب العراقي ومشاركتها في صنع القرار السياسي كما ان النظام النيابي يبعد شبح عودة النظام الدكتاتوري
الا ان الاسباب الحقيقية وراء تبني النظام النيابي تتجسد في رغبة الكتل الكبيرة في الهيمنة وترسيخ مبدأ المحاصصة الذي قامت عليه العملية السياسية منذ تأسيس مجلس الحكم اذ يتيح شكل الحكم النيابي في العراق الذي تبناه دستور 2005 وقبله قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية.
توزيع الرئاسات الثلاثة (رئاسة مجلس النواب، رئاسة الجمهورية، رئاسة الوزراء) على الكتل الثلاثة الكبيرة ولقد ادى ذلك الى هيمنة واحتكار معظم الصلاحيات من خلال البرلمان وهو ما ادى الى تحويل النظام النيابي الى نظام اشبه ما يكون بنظام الجمعية اذ يهيمن البرلمان على الحكومة وليس لرئيس الوزراء اختيار اعضاء حكومته او حتى اقالتهم وهو ما ادى الى ضعف الاداء الحكومي الذي انسحبت عليه الخلافات بين الكتل وغياب التنسيق داخل المؤسسة التفيذية. وهو ما دعى رئيس الوزراء الى الطلب من بعض الكتل التخلي عن وزرائها وضرورة ترشيح اشخاص جدد لشغل الحقائب الوزارية على اساس الاستقلال والكفاءة والنزاهة بعيدا عن التحزبات والانتماءات العرقية والطائفية، الا ان قوة مجلس النواب بسبب الصلاحيات الواسعة الممنوحة له بموجب الدستور ستبقى عائقاً امام رئيس الوزراء في تشكيل حكومة قوية، لقد امتدت تلك الصلاحيات لشتمل الهيئات المستقلة والتي كانت فكرة انشائها خلق نظام مؤسساتي لا ينسحب عليه ضعف الاداء الحكومي من خلال استقلال تلك الهيئات مالياً وادارياً ولا يكون لمجلس النواب سوى الاشراف على عملها ولكن واقع الممارسة العملية وبعض القوانين التي اصدرها مجلس النواب اضهرت تحكماً واضحاً لمجلس النواب في طريقة تشكيل تلك الهيئات وتعيين أعضائها واقالتهم كما هو الحال بالنسبة للقانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (11) لسنة (2007).
المادة (102)
تعد المفوضية العليا لحقوق الإنسان والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئة النزاهة مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب وتنظم إعمالها بقانون.
المادة (103)
أولا يعد كل من البنك المركزي العراقي، وديوان الرقابة المالية وهيئة الإعلام والاتصالات ودواوين الأوقاف هيئات مستقلة مالية وإداريا وينظم القانون عمل كل هيئة منها.
ثانياً يكون البنك المركزي العراقي مسؤولاً إمام مجلس النواب ويرتبط ديوان وهيئة الإعلام والاتصالات بمجلس النواب.
وعلى الرغم من إن النظام النيابي يفترض إن حق الحل هو حق متبادل أي يحق للبرلمان سحب الثقة من السلطة التنفيذية وللسلطة التنفيذية حق حل مجلس النواب إلا إن الدستور يقصر هذا الحق على مجلس النواب
فقط المادة 64 فقرة أولا
المادة 64 فقرة أولا يحل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد اعضائة بناء على طلب من ثلث أعضائه، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية ولا يجوز حل المجلس في إثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء.
إمعانا في إضعاف السلطة التنفيذية ينص الدستور على تأسيس هيئة عامة لضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم
المادة 105
تؤسس هيئة عامة لضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في المشاركة العادلة في إدارة مؤسسات الدولة الاتحادية المختلفة والبعثات والزمالات الدراسية والوفود والمؤتمرات الإقليمية والدولية وتتكون من ممثلي الحكومة الاتحادية والأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم وتنظم بقانون
وتجدر الإشارة إلى إن المشرع قد وقع في خطأ عندما قرن المحافظات غير المنتظمة في إقليم بالأقاليم في المادة 115
(كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصيرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم والصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة الخلاف بينهما )

إذ ليس للمحافظات مجالس تشريعية لتشريع القوانين حتى يفترض امكانية حدوث خلاف مع القوانين الاتحادية واذا كان لاحدهم ان يفسر النص المذكور على إن الحديث هو عن الصلاحيات الممنوحة اصلا للمحافظات بموجب الدستور واحتمال تجاوز الحكومة الاتحادية على هذه الصلاحيات فان مطالبة بعض النواب عند مناقشة قانون المحافظات غير المنتضمة في إقليم لضرورة إن يكون لها مجالس تشريعية استنادا للنص المذكور يدحض هذا التفسير.
[*] .رتشارد سايمون Sociaty and Development of candian federalism.

ليست هناك تعليقات: