الخميس، 27 نوفمبر 2008

مفهوم الديمقراطية في ظل النظام الاتحادي

مفهوم الديمقراطية في ظل النظام الاتحادي

القاضي قاسم العبودي

لا بد أن نذكر ونحن نتحدث عن الديمقراطية كضامن لاستمرار الخيار الاتحادي وعدم انفراط عقده، أن الفدرالية تقضي بتطور المفهوم التقليدي للديمقراطية، الذي يعني وفقا لفكرة العقد الاجتماعي (حكم الأغلبية) وهو المفهوم العملي السائد في الدول البسيطة، أما في النظام الفدرالي فان مفهوم المشاركة في صنع القرار السياسي يضع الوحدات الصغيرة المكونة للاتحاد الفدرالي في درجة مساوية إلى حد كبير في صنع القرارات والتشريعات الفدرالية، وبإمكاننا أن نفهم هذا التطور المفاهيمي بالاطلاع على التفاوت الكبير بين الوحدات المكونة للاتحاد الفدرالي أذا ما علمنا أن كانتون بيرن وهو العاصمة السويسرية يضم أكثر من مليون نسمة بينما لا يزيد عدد السكان في كانتون أخر على العشرين ألف نسمة، والدستور السويسري ينص على ضرورة استحصال التشريعات على الأغلبية المركبة أي أغلبية الشعب السويسري من جهة وأغلبية الكانتونات من جهة أخرى، أي أغلبية شعب الدولة الاتحادية وموافقة (14) كانتون من أصل (26) كانتون المكونة للاتحاد السويسري( ).
وكذلك نص الدستور الأمريكي على أن أي تعديل للدستور يجب أن يحظى بموافقة ثلاثة أرباع الهيئات التشريعية للولايات الأمريكية، وذلك على خلفية نشوء الاتحاد الأمريكي الذي نشأ عن اتحاد عدد من الدويلات المستقلة، بل ان التسمية الرسمية للاتحاد الأمريكي هو ( الدول الأمريكية المتحدة)(United States of America) رغم ما جرى على اللسان العربي من تسميتها بالولايات المتحدة الأمريكية وهو خطأ شائع غلب الصواب( ).
ويعزى هذا التطور في مفهوم الديمقراطية إلى حرص الوحدات المكونة وبخاصة الأقليات على ما تبقى من السيادة الداخلية التي تتمتع بها وعدم المس بتلك السيادة من خلال التشريعات الاتحادية والأمر لا يقتصر على الصلاحيات أو مفهوم السيادة الداخلية بل يتعداه الى احترام الثقافة المحلية (بكل مفرداتها) التي تمثل جوهر الخصوصية للوحدات المكونة ويمكن أيجاز ذلك بالمبدأ الذي قام عليه الاتحاد السويسري (الحق في إن تكون مختلفا من جهة والحق في أن تكون متساويا من جهة أخرى..).
ولذلك يعتمد النظام الفدرالي أكثر من لغة رسمية لا تمايز بينها من حيث القوة خاصة عندما تكون هنالك حاجة الى تفسير النصوص التشريعية فهناك مثلا أربع لغات رسمية تصدر بها التشريعات السويسرية هي اللغة الألمانية والفرنسية والايطالية والريترومانشية( )، والأخيرة هي لغة الغجر الذين لا تمثل نسبتهم أكثر من 1% من نسبة السكان.
واحترام التعددية القومية والدينية هو من أهم مبررات نشوء الاتحاد الفدرالي السويسري وقد عزز هذا المبدأ بالقرارات القضائية التي صدرت في سويسرا وفي غيرها من الدول الاتحادية، ففي قضية عرضت على القضاء السويسري على اثر نزاع نشأ بين سكان مدينة (Kriessern) التي يسكنها (الغجر) الذين يتحدثون اللغة الرومانتشية و أحد السويسريين الذي انشأ بارا في تلك المنطقة كتب عليه بالايطالية (بار الأصدقاء) وطلب سكان تلك المدينة تغيير اللغة التي كتبت بها اللافتة من اللغة الايطالية إلى اللغة الرومانتشية واصدر القضاء السويسري في تلك القضية قرارا يقضي بضرورة احترام اللغة السائدة في الكانتون وجاء في حيثيات القرار ( إذا تعارضت الحرية الفردية مع الأمن والسلم الاجتماعيين فيجب تقييد الحرية الفردية لمصلحة الأمن والسلم الاجتماعيين ).
وكذلك فان اللغة الانكليزية والفرنسية هما اللغتان الرسميتان في كندا على الرغم من أن نسبة الناطقين بالفرنسية لا يتجاوز 25% من نسبة السكان فيها، بل أن سكان كيوبك وهو الإقليم الناطق بالفرنسية يتمتعون بنفوذ اكبر من بقية السكان في بقية الأقاليم الأخرى، حيث يشترط في تسلم الوظائف المهمة على المستوى الفدرالي أن يجيد الشخص المتقدم للوظيفة الانكليزية والفرنسية (كالوزراء والقضاة والمستشارين) وهو خلاف ما كان عليه الحال قبل عام 1938.
بل أن الميل إلى مزيد من الخصوصية للمجتمعات المحلية اخذ ينشأ جدلا بين المتخصصين في كندا إلى ضرورة وجود مستوى حكومي ثالث بعد ان ساهمت القرارات القضائية في تعزيز هذا الاتجاه بالنسبة لحماية السكان الأصليين ( الهنود الحمر).
وعلى الرغم من أن النظام الفدرالي السويسري يتكون من ثلاثة مستويات حكومية هي السلطات الاتحادية وسلطات الكانتونات وسلطات المجالس البلدية ألا أن النزعة القومية أدت إلى استحداث كانتون جديد عام 1979 هو كانتون جيورا حيث أن معظم سكان هذا الكانتون هم من المنحدرين من أصول فرنسية.
ألا أن قسما من هذا الكانتون ما زال متمسكا بالبقاء مع كانتون بيرن على خلفية الانتماء الطائفي وهنا يظهر إن التعددية الدينية والطائفية لا تقل تأثيرا عن الانتماء القومي في زيادة الوحدات المكونة للنظام الفدرالي، فقد ازداد عدد الوحدات المكونة للاتحاد النيجيري إلى (36) ولاية بعد أن بدأ الاتحاد النيجيري بـ (3) ولايات كما إن الهند ومنذ عام 1956 بدأت بتعديل الحدود الإقليمية للولايات من اجل جعل الوحدات الإقليمية تتفق أكثر مع الكتل الاثنية اواللغوية المركزة، وهناك اتفاق بين الفقهاء المهتمين بالنموذج الفدرالي بأنه كلما ازداد عدد الوحدات المكونة قلت احتمالات قيام الحروب الأهلية( ).

الهوامش

1. الدستور السويسري المادة 142 , فقرة 2.
2. د. ادمون رباط , الوسيط في القانون الدستوري العام.
3. مادة 70 الدستور السويسري سنة 2000.
4. رونالد واتس , نماذج المشاركة الفدرالية في السلطة.

ليست هناك تعليقات: